شيخنا الكريم، أود السؤال عن حكم الزواج بغير ولي؛ هل يصح الزواج بغير ولي؟؟
إذا كان الجواب لا؛ ما حكم الزوجين و ما يترتب عليهما؟؟ هل يجب الإنفصال ومن ثم عقد جديد؟؟ هل على الزوجين كفارة؟؟
أرجو التفصيل في المسألة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأخ الكريم السائل عن حكم عقد الزواج بلا ولي، وما هو مصير الأولاد.
كنا قد أجبنا عن هذا السؤال في فتوى سابقة، ونزيده تفصيلا في هذه الفتوى إن شاء الله.
إعتنى الإسلام عناية كبيرة بعقد الزواج، ووصفه تعالى بالميثاق الغليظ؛ قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء، 21]
وهذا الوصف لم يوصف به إلا عقد النبوة بين الأنبياء والله عز وجل؛ قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [الأحزاب، 7]
ومن هنا قدر الإسلام الزواج حق قدره واتخذ في تشريعاته من الأحكام والآداب ما يوفر له أسباب الوقاية والحماية، وما يجعله يحقق مقصوده ويؤدي مطلوبه.
ومن تلك التشريعات أن جعل لعقد الزواج أركانا وشروطا، فمن أركانه الزوج – والزوجة – والصيغة (هي قول الولي للخاطب زوجتك ابنتي فلانة ويقول الخاطب قبلت زواجها )
أما الشروط :
1- تعيين الزوجين وذلك بالاسم أو الصفة بحيث يوجب العلم وينفي الجهالة.
2- رضى الزوجين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)) [رواه البخاري]
3- الشهادة؛ فلا يصح النكاح إلا بشاهدين ذكرين عدلين بالغين، ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) [رواه ابن حبان بإسناد حسن]
4- الولي: والد الفتاة أو من ينوب منابه كالجد أو العم أو الأخ أو من يوكله عنه لإبرام العقد. وأهمية الولي هو لصيانة الفتاة من المتلاعبين، والحفاظ على كرامتها وحقوقها، وكذلك هو من دلائل اهتمام الأسرة بها، والحفاظ على مصالحها ومستقبلها.
نعود إلى أهمية الولي في العقد وما قاله الفقهاء.
جمهور الفقهاء : الإمام مالك والشافعي وأحمد قالوا بوجوب موافقة الولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) [رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، كما صححه الألباني]
كذلك اشترط الجمهور ومعهم أبو حنيفة شاهدا العدل للحديث السابق ((لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل))
وخالف أبو حنيفة الجمهور في وجوب الولي وقال بأن للمرأة أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح؛ لأن الله تعالى قال: ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة، 232]
وقال بأن الزوج إن كان مكافئا للمرأة فالنكاح صحيح، ولا فرق عنده بين المرأة الصغيرة والكبيرة والبكر والثيب.
وإن وافق الولي بعد إتمام العقد عليه فلا إشكال في صحته وإن كان خلاف الأولى.
ولكن إن لم يوافق الولي وتم بحضور القاضي وشاهدي عدل أو من يحل محل القاضي كالمراكز الإسلامية في الغرب اليوم؛ فإن العقد رغم مخالفته للأولى ولقول الجمهور إلا أنه يثبت به الزواج ويقر بالأولاد ولا يترتب عليه حد لشبهة العقد، والحدود تدرأ بالشبهات.
قال ابن قدامة في المغني – فقيه حنبلي : بعد أن ذكر أن النكاح لا يصح إلا بولي قال: وإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه، وكذا سائر الأنكحة الفاسدة.
وقال في المهذب – فقه شافعي: إذا عقد النكاح بغير ولي وحكم به الحاكم ففيه وجهان: أحدهما أنه يتقض حكمه؛ لأنه مخالف لنص الخبر يعني حديث عائشة: ((لا نكاح إلا بولي)) والوجه الثاني أنه لا ينقض واعتبره الرأي الصحيح.
وفي مطالب أولي النهى – للرحيباني الحنبلي: قال: لو قلد حنبلي أبا حنيفة في عقد نكاح بلا ولي فليس للحاكم الحنبلي أن يعذره – يعاقبه – لأنه لو حكم بصحته الحنفي ورفع بعد ذلك إلى الحنبلي لوجب عليه تنفيذه. انتهى.
فخلاصة الحكم: إذا كان العقد قد تم بغير موافقة الولي وهناك شاهدا عدل – على مذهب أبي حنيفة فالفقهاء على قبول العقد رغم خلافه لشروط العقد عند الجمهور؛ وذلك لأن إماما من أئمة الفقه قال به.
وبعيدا عن الشبهة يجب عليه أن يجدد العقد بموافقة ولي المرأة وتنتهي الأمور، فالزوجة زوجته والأولاد أولاده رغم ما شاب العقد الأول من فساد وهذا ما حكم به أتباع فقهاء المذاهب السنية.
أما المشكلة إن لم يكن هناك ولي ولا شهود، وكانت الصيغة (أن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي على مهر كذا، ويقول الرجل قبلت بزواجك) فهذا لا ينعقد به النكاح، وإن الفروج لا تستحل بهذا العبث، وبالتالي فالمعاشرة بين هؤلاء تكون غير شرعية بل هي من باب الزنا عياذا بالله.
والواجب الابتعاد فورا عنها وتركها، إن أردت نكاحها نكاحا صحيحا فاطلبها من وليها وتزوجا زواجا شرعيا وبادرا بالتوبة إلى الله، وما حصل من أولاد قبل العقد الشرعي فهم لاحقون بك إن كنت في معاشرتك لها معتقدا صحة العقد الأول رغم بطلانه. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- الفتاوى:
- النكاح و فقه الأسرة المسلمة
- المفتي:
- الشيخ الدكتور أحمد عبيد