السؤال:
فعلُ خالد بن الوليد رضي الله عنه في معركة أليس (نهر الدم) [*] من قتله سبعين ألفا من الأسرى يومذاك ومباركة أمير المؤمنين أبي بكر رضى الله عنه لفعله ، هل يمكن الإحتجاج بذلك اليوم من قبل بعض الجماعات بجواز قتل الأسرى وهل هناك حيثيات وراء القصة قد تخفى على القارئ أو المُحتج ؟؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخ الكريم السائل عن معركة “أليس” وما يسمى بنهر الدم:
“أليس” قرية من قرى الأنبار على الفرات في العراق.
سبق هذه المعركة معركة تسمى: “الولجة” وكانت ضد الفرس، وأعانهم فيها بعض نصارى العرب، حيث قُتِلَ منهم ابْنَا زعيمين كبيرين؛ هما: ابنا جابر بن بجير، وعبد الأسود العجلي.
وانتقاما من المسلمين التفَّت نصارى عجل وتيم اللات وطبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة واستغاثوا بكسرى، وهذا عند العرب يعتبر خيانة عظمى عندما يستنصر العربي، حتى لو كان من غير االمسلمين، على أجنبي لقتال بني جلدته؛ من هذا الباب عظمت عند خالد بن الوليد رضي الله عنه هذه الفعلة الشنيعة التي فعلها نصارى القبائل العربية، واستغل كسرى هذه الخيانة إمعانا منه بهزيمة المسلمين بعد أن هزمه المسلمون في معركة :”ولجة” فأمر قائده بهمن جازويه للسير بجيش جرار قُدِّرَ بمائة وخمسين ألفا لقتال المسلمين.
وعندما علم بهمن جازويه أن المسلمين بقيادة خالد بن الوليد الذي أذاقة الهزيمة في معركة “الولجة” اعتذر عن القيادة؛ فكلف كسرى قائدا آخر اسمه جابان؛ ليقود المعركة ضد خالد، وكان عدد المسلمين ثمانية عشر ألفا، مقابل مائة وخمسين ألفا من جحافل الفرس المجوس ونصارى القبائل العربية الخائنة.
ودارت المعركة طاحنة، وبفضل الله انتصر المسلمون على عدوهم.
إلى هنا والروايات لا شائبة فيها، وإنما حصل إشكال في قبول خبر قتل الأسرى، وأنهم سبعون ألفا، وأنهم قُتلوا بين ليلة وضحاها حتى سال نهر الدم.
وراوي هذه الرواية هو سيف بن عمر التميمي البرجمي، وهو متروك الحديث، وقد اتهم بالوضع، ولم يوثقه أحد من أهل الجرح والتعديل، ولا يعرف لهذه القصة سند إلا من طريقه التي ذكرها الطبري في تاريخه.
والطبري يقول في مقدمة تاريخه: “فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يَعْرِفْ له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا”.
وكيف يصدق عاقل بأن سبعين ألفا قتلوا بين عشية وضحاها ؟، هذا من المحال حتى لو كانوا دجاجا! فكيف وهم بشر.
ومن استشهد اليوم على مشروعية قتل الأسرى بناء على هذه القصة؛ فقد بنى حكمه على شيء غير ثابت.
ويكفينا دليلا على سماحة الإسلام ورحمة المسلمين ونبل أخلاقهم: ما حصل في فتح مكة؛ كيف سامح رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتله وأراد قتله وأخرجه من بلاده ثم لاحقة إلى مكان هجرته ليجتث شأفته ويحارب دينه، وقَتَل أصحابه، منهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتلوه ومثّلوا به بعد استشهاده.
ومع ذلك دخل مكة ورأسه الشريف يكاد يلتصق بعنق راحلته، تواضعا منه ورحمة بعباد الله، وقد وصفه الله بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: «ما تقولون وما تظنون؟» فقالوا : نقول أخٌ وابنُ عَمٍّ حليمٌ رحيمٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقول كما قال يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}» رواه الطحاوي في “شرح المعاني” وابن زنجويه في “الأموال”.وإسناده صحيح.
فهو الرحمة المهداة، وصاحب الخلق العظيم، كما وصفه الله تعالى بذلك {وإنك لعلى خلق عظيم}
هذا هو أسوتنا وقدوتنا صلى الله عليه وآله وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
[*] قصة معركة أليس كما وردت في موقع على الإنترنت
25 صفر 12هـ
مفكرة الإسلام : كانت الصدمة الشديدة والصفعة القوية التي نالتها القبائل العربية المتنصرة والمتحالفة مع الفرس ذات أثر شديد وبالغ على نفوس وقلوب زعماء هذه القبائل وخاصة بعد مقتل زهرة شبابهم في معركة الولجة بسيوف المسلمين، فاجتمعت أعداد ضخمة من هذه القبائل عند منطقة «أليس» وطلبت مساعدة الفرس في حربهم ضد المسلمين، فأمر كسرى قائده «بهمن جاذويه» بالانضمام للعرب النصارى في القتال، ثم غير كسرى رأيه واستدعى بهمن جاذويه للمدائن وأصبحت الجيوش الفارسية تحت إمرة قائد آخر هو «جابان» وكان رجلاً محنكًا ولكنه ضعيف الشخصية.
كان الجيش «المجوصليبي» كبير العدد جدًا يفوق المائة والخمسين ألفًا، مما جعل الغرور يملأ القلوب والنفوس في حين أن جيش المسلمين ثمانية عشر ألفًا، ومن شدة الثقة المفرطة من النصر جلس العرب المتنصرة لتناول طعام الغداء غير عابئين باقتراب جيش المسلمين منهم، وبالفعل وصل المسلمون لأرض المعركة فوجد الأعداء على موائد الطعام، فأمر القائد الفارسي «جابان» بالتهيؤ لقتال المسلمين ولكن الغرور والكبر منعهم من الاستماع لصوت العقل وظنوا أنهم لا يغلبون واستمروا في تناول الطعام، فعاد «جابان» وقال لهم: ضعوا السم في الطعام فإن دارت الدائرة عليهم وغنم المسلمون الطعام وأكلوه ماتوا من السم وهو رأي لا يصدر إلا من رجل داهية، ولكنهم خالفوه أيضًا وبخلوا حتى بطعامهم.
أدرك خالد أن الغرور والكبر يملأ صدور العدو، فأمر المسلمين بالهجوم فورًا وبكل قوة وعنف على هؤلاء المغرورين، واشتعل القتال وأخذ ينتقل من طور لآخر، ومن حال إلى آخر أشد منه بسبب الحقد الصليبي عند العرب الموتورين بقتلاهم في «الولجة»، وصبر الفرس أيضًا في القتال على أمل وصول الإمدادات من كسرى، ولقي المسلمون حربًا عنيفة لدرجة أن القائد خالد بن الوليد دعا ربه عز وجل ونذر له فقال: «اللهم إن لك عليَّ إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدًا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم».
ظل القتال يشتد وأخذت حمية المسلمين في الازدياد وخاصة مسلمي قبيلة «بكر بن وائل» الذين كانوا أشد الناس على نصارى قبيلتهم، وأخذت بوادر النصر تلوح لصالح المسلمين وأخذ الفرس في الفرار من أرض القتال، وفي النهاية انتصر المسلمون انتصارًا باهرًا وأسروا سبعين ألفًا، فأمر خالد بأخذهم جميعًا عند نهر «أليس» وسد عنه الماء ومكث يومًا وليلة يضرب أعناق الأسرى حتى يجري النهر بدمائهم وفاء بنذره لله عز وجل، فقال له القعقاع بن عمرو: لو أنك قتلت أهل الأرض جميعًا لم تجر دماؤهم «لأن الدم سريع التجلط»، فأرسل الماء على الدماء يجري النهر بدمائهم، ففعل خالد ذلك وسمى النهر من يومها نهر الدم، وكانت هذه العقوبة الجزاء المناسب لغدر وخيانة القبائل العربية الموالية للفرس، فلقد دخلوا حربًا لم يكن لهم أن يدخلوها إلا بسبب عداوتهم وكرههم للإسلام.
وعندما وصلت الأخبار بالنصر للخليفة أبي بكر الصديق قال كلمته الشهيرة: «يا معشر قريش عدا أسدكم ـ يعني خالد بن الوليد ـ على الأسد ـ يعني كسرى الفرس ـ فغلبه على خراذيله ـ أي على فريسته ـ عجزت النساء أن ينشئن مثل خالد».