السلام عليكم
كنت أبحث عن تفسير الآيتين 67 و 68 من سورة الأنفال ووجدت التفسير في أحد موقع الشيعة أكثر واقعية ومنطقية من تفسير كتب أهل السنة؛ حيث أنه يوافق تسلسل الآيات وينزه الرسول عن الخطأ لأن سيدنا محمد كان مأموراً من الله
فما رأي سيادتكم ؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأخ الكريم السائل عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم بين السنة والشيعة.
العصمة عند الأنبياء ضرورة من ضروريات صدق الرسالة، في نطاق التبليغ ودليل على تسديد الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)) النجم.
وقال تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) النساء 80
والعصمة لا تعني أن الأنبياء خرجوا عن طور البشرية، بل هم بشر يأكلون ويشربون و يتناسلون ويمرضون، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف 110
إذاً هم بشر، ولكن الله فضلهم على سائر البشر بالإصطفاء، فاختارهم من بين خلقه وأنزل عليهم الوحي والكتب، وسددهم، وعصمهم في تبليغ رسالة ربهم، فلا يبلغون الناس إلا ما أراد الله تبليغه إياهم، كما عصم الله الأنبياء والرسل من الخطيئة ولم يعصمهم من الخطأ الذي ينتج عن الإجتهاد الشخصي كونهم بشرا، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فله أجر واحد)) متفق عليه.
فهو في كلا الحالتين مأجور، واجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا وحي فيه، والتي هي ثمرة من ثمرات ملكاته البشرية كان غالبها الصواب، وقد تصادف أحيانا غير ذلك؛ لحكمة أرادها الله تعالى، ومن أهمها: أن الأنبياء لا يعلمون الغيب إلا ما علمهم الله، قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود 49
وإن الغيب علمه عند الله تعالى لا يعلمه إلا هو سبحانه، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي سلمت أصحابها من الغلو الذي وقع فيه غيرهم، وعصمتهم من الزلل، الذي انزلق فيه الآخرون، فمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضله ومكانته هي في المرتبة التي وصفه الله فيها وأعطاه إياها، فإذا زدت عليها ما ليس منها دخلت في الغلو وأصبحت كالنصارى الذين ألهوا عيسى عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) رواه البخاري.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حبا واتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم هم من الذين لم يغالوا فيه، ولا سيما أصحابه رضي الله عنهم ومن يليهم من خير القرون، وإن أضعفهم إيمانا وأقلهم اتباعا له هم أشد غلوا في القول وابتداعا في العمل) رحم الله الشيخ رشيد فكأنه يصف الحال الذي نعيش فيه اليوم.
وأكثر الناس حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هم صحابته الكرام الذين شاركوه في الجهاد وإعلاء شأن هذا الدين، ونصروه في كل مواقفه، وكان يستشيرهم عليه الصلاة والسلام؛ ليشاركوه في الرأي كما في معركة بدر عندما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى ماء بدر فسأله الحباب بن المنذر رضي الله عنه: ((يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم – قريش – فننزله ونغور – نخرب – ما وراءه من القُلَب – الآبار – ثم نبني عليه حوضاً فنملأه، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون)) سيرة ابن هشام.
كذلك يوم أن حرم النبي صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه؛ من أجل إرضاء بعض زوجاته، فنزل القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التحريم 1
وفي حادثة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه عندما انشغل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كبار قريش طمعا بإسلامهم، وألح عليه ابن أم مكتوم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ريثما ينتهي من وفد قريش، فكان العتاب من الله تعالى بقوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10)) عبس.
وفي قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه في زواجه من زينب رضي الله عنها ثم تطليقه لها؛ لعدم الانسجام بينهما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالزواج منها؛ ليلغي حكم التبني في الإسلام، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) الأحزاب 37.
أما قصة أسرى بدر التي وردت في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)) الأنفال.
فقد اعتمد أهل التفسير على ما ورد في الأحاديث الصحيحة والحسنة التي أوردها أهل السنة، ومنها ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا بَكْرٍ، وَيَا عُمَرُ، مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاءِ الأُسَارَى ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، نَرَى أَنْ تَأْخُذَ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَيَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عُمَرُ، مَا تَرَى ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا نَبِيَّ اللهِ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُمْ، قَالَ: فَهَوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ؟ فَقَالَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَى أَصْحَابِكَ مِنْ أَخَذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا، فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَكُمْ)) رواه مسلم، والبزار في مسنده، واللفظ له.
والمفسرون من أهل السنة والجماعة اعتمدوا في شرح الآيات على هذه الأحاديث في توضيح ما حصل.
إلا أن الشيعة ينفون ما ثبت من أحاديث، وينكرون ما قاله أهل التفسير، وأكثر ما أغاظهم وأحرق قلوبهم: القول بأن القرآن نزل مؤيدا لرأي عمر رضي الله عنه، ولذلك أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في هذا الموضوع، بينما لم يحركوا ساكنا في القضايا التي سبق ذكرها.
أما قول الأخ السائل أنه وجد التفسير الشيعي أكثر واقعية من تفسير أهل السنة، فهذا مرجعه إلى أنه لم يلم بما قاله أهل السنة ولأنه على الفطرة السليمة ابتلع الطعم دون أن يتنبه للصنارة، فكاتب المقال لم يقصد الدفاع عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم بقدر ما قصد الطعن بالصحابة رضي الله عنهم، وبالذات أبو بكر وعمر، ومن خلال ما أورده من نقول وضع السم بالدسم حيث أراد أن يصل إلى مبتغاه، وإذا أمعنت النظر إلى هذا الذي نقله عن المأفون الرافضي المدعو: (أبو الفتح الكراجكي) تجد ذلك واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار.
يقول هذا المأفون: [والمحفوظ عن عمر أنه دعا بالويل والثبور عند احتضاره، وتمنى لو كان ترابا، وأن أمه لم تلده – ثم يعقب – فلولا أنه رأى بوادر ما توعد به على سيء أعماله وأشرف على مقدمات العذاب وأهواله، لم يقل هذا عند احتضاره]
إذن هذا (الشيخ العاملي) صاحب المقال أراد من كل ما كتب إدخال هذه السطور المسمومة للطعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذا يتبنى رأي الرافضي الذي نقل عنه، حيث وافق شن طبقة، فهُما في البغض سواء.
هل رأيت حقدا أكثر من هذا؟ وصدق الله تعالى حيث يقول: (…فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج 46
فهل يخطر ببالك أن مسلما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان يقول مثل هذا عن علم من أعلام الإسلام، كان مستشارا ووزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي امتدحه في مواقف كثيرة نذكر بعضها على سبيل المثال: روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم مُحَدَّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر)) رواه البخاري ومسلم.
قال أهل الحديث معنى محدثون: الذي يجري الصواب على لسانهم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر ابن الخطاب)) رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) رواه أحمد، وقال أحمد شاكر إسناده صحيح.
هذا هو عمر الفاروق رضي الله عنه الذي قال عندما آلت إليه الخلافة: (والله إني أخشى لو أن بغلة عثرت في العراق أن يسألني الله عنها يوم القيامة لمَ لم تعبد لها الطريق يا عمر؟)
وهو الذي فتح الله في خلافته بلاد فارس، والروم، ومصر، والشام، والعراق.
وهو الذي مدحه رسول ملك الفرس الذي قال لعمر عندما رآه نائما تحت الشجرة مفترشا الأرض وملتحفا بالسماء: لقد حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
فانظر ماذا قال رسول المجوس، وقارن بما قاله هذا (الكراجكي) الموتور، والذي يزعم بأنه مسلم ومحب للرسول صلى الله عليه وسلم ولآل بيته، وكيف يكون محبا للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبغض أعز أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه النفاق بعينه، والحقد والحسد لسادة الأمة وقادتها.
من هنا أنصح بعدم قراءة ما يكتبه هؤلاء، لا لأنهم أصحاب حجة ودليل أبدا، بل لأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فهم يستحقون الوصف الذي وصفه الله لليهود بتحريف التوراة، فكذلك هم يحرفون النصوص، ولا يغرنك بعض نقولهم عن أهل السنة والجماعة، فهم لا يفعلون ذلك اعتبارا لتلك الكتب، ولا اعتقادا بصحتها، وإنما ينقلون ما يوافق مآربهم.
فتجد كما في صفحة العاملي يستشهد بأحاديث للبخاري ومسلم، ليوهم القارئ من أهل السنة أنه عدل غير منحاز، ولكنه في مكان آخر لا يوافق هواه فيضرب بما رواه البخاري ومسلم وغيرهم من أهل السنة عرض الحائط، ويكذبه مع القدح والذم، وإليكم الدليل في قصة وفاة أبي طالب على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فالأمثلة كثيرة جدا وتحتاج إلى مجلدات للرد عليها، وبيان عوارها وتحريفها للحقيقة.
عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ، فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوية 113 وَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) القصص 56. رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهون أهل النار عذابا أبو طالب، منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه)) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه فقال: ((لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)) متفق عليه واللفظ للبخاري.
أمعن النظر فيما يقوله الشيعة في هذه الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما وهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وهذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وهذه الأحاديث روى بعضها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو من آل البيت.
يرد الشيعة أحاديث البخاري ومسلم بكلام ليس له علاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو كلام من يدعون أنهم أئمتهم، ويستعملون أسانيد غير معروفة، وكل رواياتهم تقريبا بنفس الأسماء والألقاب، وهم لا يعولون على الأسانيد كما قال أحد علمائهم (الحر العاملي)
عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات هذه النصوص ردا على أهل السنة: [عن محمد بن يونس عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار، فقال: كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا]
هل يعقل أن يقول أبي عبد الله الذي يزعمون بأنه من آل البيت عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أعداء الله؟
وفي نص آخر [عن أبي بصير ليث المرادي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام: سيدي إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، فقال عليه السلام: كذبوا والله، إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفته الأخرى لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم]
من يصدق أن أبا جعفر الذي يزعمون بأنه من أئمتهم المعصومين يقول مثل هذا الإفك، فيكذب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمِ، ثم يزعم بأن إيمان الأمة كلها لا يساوي إيمان رجل مات على الشرك، وشهد القرآن بذلك.
ثم يعلق المدعو (محمد أمين نجفي) فيقول: أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب بل على إيمانه، وإجماعهم حجة.
وفي مقابلة تلفزيونية مع (حسن الصفار) وهو من علماء الشيعة في منطقة الأحساء بالمملكة يقول: إن الخلاف مع أهل السنة بشأن أبي طالب كبير، فهم يقولون بأنه مات على الشرك، ونحن نقول بأنه من أعظم الصحابة قدرا، وأجلهم شأنا.
وما أنزل الله به من آيات، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث غير مقبولة عندهم، فيردونها، ويؤولونها على غير وجهها الصحيح اتباعا لهواهم، وبذلك يصدق عليهم قوله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص 50
ومن المحزن أن معظم مراجع الشيعة كتبها أناس اشتهروا بالتحريف، مثل: (علي بن إبراهيم القمي – محمد بن يعقوب الكليني – أحمد بن أبي طالب الطبرسي، وغيرهم كالأحقائي، والحائري، والطوسي، والخوئي)
ومهما حاول المصلحون من أهل السنة التقريب بينهم وبين الشيعة، إلا أن المساعي كانت تبوء بالفشل في كل مرة، في القديم والحديث، من أيام حسن البنا رحمه الله، وكانت محاولته في التقريب مع حركة (فدائيان إسلام) في عهد محمد مصدق، منذ عام 1935، كما ذكر ذلك الأخ فتحي يكن رحمه الله إلى آخر محاولة للشيخ يوسف القرضاوي عام 2010، والتي أعلن عن فشلها، وأن من كان يظن بهم على أنهم معتدلون من الشيعة كانوا أول من سب وشتم (كالشيخ التسخيري) وكأن لسان حالهم يقول كما قال من سلف من الأمم: (…إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) الزخرف 23
وحال القائل: كنا على أمة آبائنا – ويقتدي الآخر بالأول.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم اهدي أمة الإسلام إلى الحق وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلا، وجنّبهم فعاله، إنك رؤوف رحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.