السؤال:
فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبيد،
أنا من سكان بلدة القلمون وأب لأولاد صغار أحمل هم تربيتهم و تنشئتهم على منهج الله في ظل مجتمع متلاطم بأمواج الشهوات والشبهات. سمعت بكشافة عباد الرحمن وما يقومون به من جهود مميزة في المجال التربوي، فلما عاينتهم و تحدثت إليهم و عايشتهم عن قرب وسمعت بعضا من توجيههم ودروسهم، سارعت فعهدت بأولادي إليهم لينخرطوا في هذا الجو التربوي الإيماني. وأنا بهذا سعيد أحمد الله عليه وأسال الله لهم التوفيق و السداد.
وسؤالي الذي أتوجه به إلى حضرتكم :
هل يجوز لي أن ادفع زكاة مالي ليصرف على مركزهم الجديد مركز المنار الاجتماعي و التربوي و الثقافي الذي لم يكتمل بنيانه بعد؟
وهل يعد هذا من مصارف (في سبيل الله) كما أفتت به بعض الدوائر و الندوات العالمية؟
وهل وجود أولادي لديهم مانع من صرف الزكاة على مركزهم التربوي الجديد؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأخ الكريم السائل عن جواز إعطاء مال الزكاة لمؤسسات إسلامية من أجدل بناء مراكز دعوية:
هناك قولان للعلماء:
الأول: جمهور الفقهاء قالوا بأنّ الزكاة قد حصرت في ثمانية أصناف بدليل قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة، 60]
وقالوا أنّ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) هو الجهاد لإعلاء كلمة الله وقتال الأعداء المتربصين بالإسلام وأهله. ومنعوا إدخال باقي أعمال البر في (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ)؛ لأنها كثيرة لا حصر لها، وعللوا ذلك بأنّ الأمر لو كان على إطلاقه لضاعت الحكمة من حصرها؛ بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ).
الثاني: أنّ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) تشمل كل أعمال البر، ولو حصرت في الجهاد (القتال) لتعطلت كثير من مصالح المسلمين في العصر الحديث بعد أن شحت الصدقات، بل انعدمت في كثير من بلاد المسلمين، ولم يعد هناك سوى الزكاة التي يشوبها كثير من التقصير في أحيان كثيرة، فكيف نبني المدارس الإسلامية والمستشفيات والمراكز الدعوية والمساجد ودور الأيتام…الخ.
وقد عرض هذا السؤال على مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومركزه مكة المكرمة، ويرأسه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، بتاريخ 27/4/1405هـ. وقد أقر المجمع بأغلبيته المطلقة جوازَ بناء المراكز الإسلامية والمدارس والمستشفيات والمساجد ودور الأيتام وفتح الآبار وإعداد الدعاة وبعثهم إلى كافة أقطار الأرض، وكذلك مساعدة طلبة العلم.
واستدل على ذلك بأدلة، منها:
ما رواه أبو داود عن أم معقل قالت: لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجه جئته فقال يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا قالت لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال: ((فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله))
وما رواه أبو داود والنسائي والدارمي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))
فجعل إعلاء كلمة الله بالدعوة إلى الله ونشر دينه عن طريق إعداد الدعاة ومساعدتهم في تمكين دين الله في الأرض وتعليم الناس الخير داخل في (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بناء على فتوى مجمع الفقه الإسلامي؛ فلا بأٍس من دفع زكاة مالك لبناء مؤسسة إسلامية دعوية خيرية، ولا حرج في أن يكون أولادك فيها، بل يجب تشجيعهم على الاستمرار بما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.